لهذه الأسباب أخطأت ماجدولين النهيبي
رد على مقال: (لهذه الأسباب نشأ العنف والتطرف عند المسلمين)
كتبه طارق الحمودي
بسم
الله الرحمن الرحيم
كتبت
ماجدولين النهيبي في مقال لها بعنوان (لهذه الأسباب نشأ العنف والتطرف عند
المسلمين) عن مصطلح (التوحيد) الذي يستعمله أهل العلم خصوصا أهل الحديث
والأثر,زعمت فيه أن المصطلح مستحدث, حُمِّل معنى مخالفا لجوهر الإيمان بالله وحده,
وأنه لم يرد لا في كتاب ولا في حديث نبوي شريف!!! فقالت:
[لفظ (التّوحيد) بصيغته تلك لم يرد في القرآن
الكريم، ولا في الحديث النبوي الشريف... الذي ورد فيه الفعل (وحّد) فقط، في قوله
صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه (إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب،
فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحِّدوا الله تعالى). فــ(التوحيد) إذن لفظة مستحدثة, حُمِّلت معنى مخالفا لجوهر الإيمان بالله وحده]
كذا زعمت, بل وزادت أن وزن (تفعيل) –
وتقصد وزن كلمة (توحيد) - يدل على التكرار
والحركية الحسية, [بينما الإيمان بوحدانية الله فعل قلبـي وجداني] كما هو
نص كلامها!!!
مرة أخرى أؤكد على أن بعض الكتاب المحسوبين على
الفكر (الحداثي!!!) أو المعدودين في زمرة (الباحثين!!!) في التراث
الإسلامي...أو اللابسين لبوس الدراسات الاصطلاحية - ولمَّا يحققوا!!! – حينما
يغامرون في الدراسات الجزئية التوظيفية يقعون في عظائم الأخطاء المشككة في مستواهم
المنهجي والمعلوماتي...ويضع اليد على واحدة من أخطر سلبياتهم ..إطلاق
الأحكام...بلا استقراء حقيقي.
(التوحيد)
في الحديث النبوي الشريف!
والكاتبة ماجدولين
النهيبي
أحد ضحايا هذا الوباء المنهجي...فنفيها المطلق وجود مصطلح (التوحيد) في
الحديث النبوي ثم الخلوص إلى أنه محدث..كشف عن ميزة التسرع الاستقرائي عندها وعند
أمثالها...وعن جهل كبير بالحديث وعلومه...وبيان هذا أنه روى أحمد في المسند ( 3 / 391/مؤسسة قرطبة )
و الترمذي في الجامع
( 2597 /إحياء التراث
العربي) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يعذَّب ناس من أهل التوحيد
في النار, حتى يكونوا فيها حمما ثم تدركهم الرحمة, فيخرجون ويطرحون على أبواب
الجنة) [السلسلة الصحيحة/2451]
وروى الإمام أحمد أيضا
( 2 / 182 ) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في
العاص بن وائل السهمي ...: (لو كان أقر بالتوحيد, فصمت وتصدقتَ عنه نفعه
ذلك) [السلسلة الصحيحة / 484]
وروى أحمد (1/398) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط ؛ إلا التوحيد ) [السلسلة
الصحيحة / 3048]
فهذه أحاديث قولية من أحاديث أخرى كافية
لإسقاط دعواها...وحسبي الله ونعم الوكيل.
لو كانت الكاتبة وقفت عند النفي لكان الأمر
أهون..لكنها تشجعت أو تهورت فأرادت الاستئناس بعلم العربية...فزعمت أن قواعد اللغة
العربية لا تقبل هذا التوظيف المصطلحي لكلمة (التوحيد) للدلالة على مضمون الإيمان
بالله...والخطير في هذا ...أن كلامها يلزم منه تخطئة النبي صلى الله عليه وسلم في
استعماله للمصطلح للدلالة على ذاك المضمون...وإلا ...فالمخرج الآمن لها أن تدعي
الاستثناء ...أي أن تستثني مصطلح (التوحيد) من تقعيدها اللغوي السابق
الذكر...وفي كلتا الحالتين..هي مطالبة بالاعتذار العلمي والاعتراف بالخطأ..ولذلك
أستغل الفرصة لأفرك أذنيها فركا علميا فكريا...بكل أدب !
ومن
الطريف أن حديث معاذ ورد من طريق ابن عباس عند الدارقطني في السنن بلفظ (توحيد
الله), لكن فيه سعيد بن مسلمة
الأموي وهو ضعيف..ومعاذ الله أن نحتج بحديث ضعيف وإن كان لنا لا علينا كما يقول
ابن حزم في محلاه...لكن روى أبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم (1/118/دار الكتب
العلمية) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أقر بتوحيد الله وكفر بما يعبد
من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) وأصله عند مسلم (رقم 23) بلفظ (من
قال لا إله إلا الله) فظهر بهذا أن (التوحيد) هو (لا إله إلا الله)..
فلم كل هذا التشويش ؟!
وعلى هذا جرى لسان الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين
..والحمد لله رب العالمين
(التوحيد)
في القرآن
وأما القرآن -
والذي نفت الكاتبة أن يكون احتوى على مصطلح (التوحيد) - فقد أفصح عن
المصطلح (بسورة) هي سورة الإخلاص...ولذلك
قال جابر كما عند أبي داود في سننه (1909) وهو يصف حَجَّة النبي صلى الله
عليه وسلم وصلاته عند مقام إبراهيم ركعتي الطواف: (فقرأ
فيهما بـ[التوحيد] و[قل يا أيها الكافرون]) فسمى جابر رضي الله عنه سورة الإخلاص (التوحيد)
..! وهذا أقوى مضمونيا ...
(التوحيد)
في اللغة
وأما لغة فـ(توحيد)
على وزن (تفعيل) مصدر فعل (وحَّد)..وهو فعل لم تر في استعماله
الكاتبة بأسا....بل أقرت بوروده على اللسان النبوي...في حديث معاذ...على
الأقل...وهو في التصريف نظير (رتَّل) (ترتيلا) في قوله تعالى (وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) (الفرقان/32)
و(كلَّم) (تكليما) في قوله تعالى (وَكَلَّمَ
اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)
(النساء/164)) و(قدَّر) (تقديرا)
في قوله تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)
(الفرقان/2) .فلا يحتاج الأمر إلى
تكلف بحث وعناء تحقيق ليعرف القارئ أن الكاتبة أساءت اختيار الأنيس!
المقصد
الحقيقي!!
لم يكن هدف الكاتبة هدفا لغويا أو تحقيقا مصطلحيا..بل
كانت تهدف بنفيها أن تخلص إلى أمر أثقل وأعظم...وهو شرح عنوان مقالها : (لهذه
الأسباب نشأ العنف والتطرف عند المسلمين) فإنها قالت:
[وقد نتج عن ذلك تشكيكهم أيضا في صدق قائل
عبارة (لا إله إلا الله)، التي أصبحت في نظرهم غير كافية لدخول قائلها في الإسلام،
وقسموا التوحيد على هذا الأساس إلى توحيد ألوهية وتوحيد ربوبية، متعمدين ذلك
لتصنيف المسلمين إلى مؤمنين وكفار، أو إلى موحدين ومشركين. والحال أن لا إله إلا
الله تُجمِل كل معاني الإيمان بالله وحده، وحُرمتها تجعل مال قائلها ودمه حراما
وإن قالها كاذبا]
وقد امتلأت هذه الفقرة من مقالها بالأخطاء ..
فزعمت أن أهل الحديث لا يكفيهم النطق بـ(لا
إله إلا الله) للدخول في الإسلام...وهذا خطأ من درجة (جبل...!) أو أنه
اختلط عليها سبب الدخول في الإسلام وسبب الخروج منه, فأهل الحديث يؤمنون أن النطق
بها كاف...في الدخول في الإسلام..لكنهم يؤمنون أيضا أن معارضة مقتضاها مما ينقضها
مخرج من الإسلام, ومن ذلك أن يعتقد قائلها أن غير الله يتصرف في الكون ...أو أن
غير الله يعطي ويمنع..وهل بعث الأنبياء والرسل إلا للتنبيه على نواقض (لا إله
إلا الله) وتنقيتها وتصفيتها من شوائب الإفساد وترسيخ مقتضياتها في قلوب
الناس.
وزعمت أن أهل الحديث قصدوا من تقسيم (التوحيد)
إلى توحيد ربوبية وإلوهية تصنيف المسلمين...! إلى مؤمنين موحدين وكفار
مشركين...وهذا أيضا خطأ ...ربما... لسوء فهم ...وقد يكون لسبب آخر!
فأهل الحديث إنما قسموا التوحيد تقسيما
منهجيا...وإلا فالأقسام الثلاثة (الألوهية) و(الربوبية) و(الأسماء
والصفات) متلازمة متداخلة... وللمزيد راجع رسالتين شيقتين في الموضوع
بعنوان (المختصر المفيد في بيان دلائل
أقسام التوحيد) و(القول السديد في الرد علي من أنكر تقسيم التوحيد)
كلاهما لعبد الرزاق بن عبد المحسن البدر.ونصيحتي للكاتبة...أن لا تغامر مرة
أخرى...!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق